إطلالة حبٍّ

بِسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أحباء الله محمد حبيب الله وآله آل الحب والمودة والعطاء.

خلق الله الناس مختلفين في أجسامهم، وألوانهم، وطباعهم، ولغاتهم، وثقافاتهم، وقابلياته، وجعلهم شعوباً، وقبائل، وأوطاناً، ومجتمعات.

قال تعالى: (ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13

ومع ذلك خصّهم تبارك وتعالى بأمور مشتركة لا يكاد تُفقد عند أيّ ٍمنهم، ولا تتفاوت بينهم إلَّا بمقدار الشدة والضعف، ومن بين تلك الأمور محل الاشتراك: المشاعر والأحاسيس الباطنية المعبّر عنها بالحب.

ولا يخفى أهمية وجود هذه المشاعر بين أهل العالم لتزداد أواصر المحبَّة، وتتعمَّق وشائج الأُلفة، وينفتح بعضهم على بعض، ويعيشوا بسلام وأمان متحابين متآخين.

لذا حث الإسلام، وقادته العظام محمد وآله الكرام على تفعيل هذا الجانب من خلال إشاعة أجواء الأُلفة، والمحبة، وإزالة أسباب البعض، والكراهية بين بني البشر على اختلاف عقائدهم، وأديانهم فضلا عمّا كانوا من معتقد، ودين واحد.

فقد ورد عن رسول الله J:(المتحابّون في الله في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظِلُّه، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون).

وورد عنه J: (أنَّ المتحابّين لتُرى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي او الغربي، فيقال: من هؤلاء ؟، فيقال: هؤلاء المتحابّون في الله عزّ وجل).

والقرآن الكريم ينادي الناس:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران: 31

ومن هنا كان الإسلام دين المحبة والسلام، وبأتباع تعاليمه ينجو الناس ويسود بينهم العدل، والرحمة ويحب أحدهم الآخر.

كما قال تعالى: (هْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة: 16

وإنَّما بُعث رسول الإسلام Jرحمة للعالمين، ليشع عليهم برحمة الله وحبّه، وليعمّ عليهم ببركة وجوده وانفاسه الخير والسلام، وليقتدوا به، فيكونوا كما أرادهم الله تعالى أخوة متحابين في الله.

قال تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الانبياء: 107

وقال تعالى:(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب: 21

ولكن الظاهر أنَّ هذا لا يرضي أعداء الإسلام، والإنسانية لذا خطّطوا الخطط، وبذلوا الأموال، وجنّدوا البشر ليزرعوا في جسد الأمة المسلمة فئة تدين بالكراهية، والقتل، والإيذاء، والبغضاء، وجعلوا لها أجندات وقوانين تنسب الى الإسلام زورا وبهتانا، أو تحاكي ما موجود فيه ظاهراً مع خلل في التطبيق وفي اختيار مساحة الزمان والمكان، حتى يوهموا العالم أنّ هذا من الاسلام، ويزعزعوا ثقة المجتمعات والافراد بالإسلام، فينجحوا في وضع أسفين بين الاسلام وبقية الديانات، بل ومطلق المجتمعات الأنسانية.

فتمخّض هذا العمل منهم عن ولادة جملة من التنظيمات العقائدية الإرهابية التي تحمل البغض والكراهية والارهاب فكرة، وعقيدة، وسلوك، وتنسب نفسها الى الاسلام زورا وبهتانا كالقاعدة وداعش وغيرها.

هكذا هم فكروا، وخططوا، ونفذوا، ولكن وعد الله حق، ولا يخلف الله الميعاد.

قال تعالى (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: 32-33

وما هي إلّا سنوات قليلة، فتكشَّفت الاقنعة، وسقط الستار، وبان الزيف والادعاء، واتضح للعالم صفاء الإسلام، وأنه دين المحبة والسلام فعلا، وأخذ العقلاء يميّزون بين هذه الاجندات العقائدية الباطلة، والتنظيمات الإرهابية التي نسبت نفسها الى الاسلام، وبين مبادئ الاسلام، وشعاراته، وسلوك قادته المعصومين، ومصادر تشريعه التي تشع على الناس بضياء الخير، والحب، والسلام.

ولكن تبقى المجتمعات تنشد الخلاص من الظلم، والاستبداد، والكراهة، والبغضاء في ظل قيادة ملؤها الحب والرحمة تشابه ما جاء به الانبياء، والرسل، والأوصياء، والحكماء من بني البشر فيما مضى.

لذا تشرأب الاعناق، وتعج الأصوات ويحدو بالنفوس الأمل بانتظار ذلك الموعود الذي يملأ الارض حباً، ورحمة، وسلاماً، وإخاءً كما ملئت حقدا، وكراهية، وبغضا، وحروباً، وهذا ما نعتقده وندين به بعد أن نطق به القرآن الكريم:

قال تعالى:(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص: 5

وقال تعالى:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور: 55

و جاء في الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي J: أن الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلا من أهل البيت Dيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأن ظهوره بعد الغيبة من المحتوم الذي لا يتخلف حتى لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يظهر.

هذا هو المهدي الموعود حبيب القلوب، وأنيس النفوس والمنتظر لإرساء قواعد الحب في قلوب بني البشر عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه.

وفي عقيدتي: أنّ العالم اليوم – افرادا ومجتمعات – اذا توحّد في مشاعر الحب الصادق وأخلص فيها كما يريدها الله تعالى لزالت الكثير من الاختلافات والتشنجات ولتوحدت الآراء والمواقف.

ومن هنا: نوجّه الدعوة الى الجميع – ولا سيما القيادات الدينية في مختلف الاديان والمذاهب، والى عقلاء العالم، ومن يستمع القول فيتبع أحسنه: أن يتفهّموا مشاعر الحب، وفلسفة إيجادها من قبل الله تعالى فينا نحن بنو البشر، وأن يعطوا حقَّه كما أراده الله تعالى، وأن يزيلوا أسباب الكره والبغضاء، ويبدلوها بالحب والمودة فيما بينهم، ولا ييأسوا في هذا المشوار لأنه قيل: (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة).

وما ذكرته ما هو إلّا شقشقة دفعتني ان أُسطّر بعض الكلمات والجمل في هذه المشاعر، عسى ان ينفع في هذا المجال، ولو في بداية المشوار، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.