التعايش السلمي من منظور الدين الإسلامي

بسمه تعالى

التعايش السلمي مبدأ من مبادئ الإسلام، يهدف إلى صون حياة الناس جميعا، وفق ضوابط شرعية وعقلائية، تقوم على أساس الاحترام المتبادل والاعتراف بأحقية الآخرين في العيش الكريم، وهذا المبدأ يمثل ركيزة عقائدية أسسها الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى لنشر راية العدل والقسط، ونشر دعوة التوحيد، وتوجيه الناس على أن يتعارفوا ويتعايشوا بسلام وأمان فيما بينهم، وليس لنشر الخلافات والصراعات والحروب.

قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد: 25

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13         وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير الى أهمية التسامح بين الناس والدعوة الى التعايش بينهم بسلام ومحبة، وأوصى بالتعاون على البر التقوى، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة:2، وجعل علاقات الناس فيما بينهم مبنية على أساس الاخوة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات:10.

ولم يقصر الدين الإسلامي التسامح والتعايش على مستوى العلاقات الفردية فحسب، كما في قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف: 99، وروي أنه لما نزلت هذه الآية، سأل رسول الله Jجبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتى أسأل العالم، ثم أتاه فقال: يا محمد! إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك).

بل يسري ليشمل الجماعات من الناس، بل عموم المجتمعات أهل الديانات والملل والنحل، بل عموم الإنسانية، كما في قوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة: 109، أي: فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة.

كما ركز القرآن الكريم في رؤيته العقدية على أنه لا سبيل لفرض العقيدة بالقوة كما في قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)البقرة:256، أي لا تُكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن واضح جلِيٌّ في دلائله وبراهينه، وقد هيّأ القرآن الكريم أتباعه نفسيًا لقبول التعدد، والتنوع الديني بذكره مرارًا وتكرارًا لقصص السابقين من الأقوام والملل، وأنه لا يتوقع هداية كل الناس، وأن الاختلاف بينهم أمر طبيعي وكائن، كما في طائفة من النصوص منها: (أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) الرعد:31

وأن الرسول الكريم Jخلال مدة رسالته وقيادته لدولة المسلمين، أرسى قواعد كثيرة في بناء المجتمع، أصبحت لاحقا دليل عمل للقائمين على الانثروبولوجيا الاجتماعية، وكشفت لهم الكثير من الغموض في الأبعاد الاجتماعية والانسانية.

وكذا الإمام علي أمير المؤمنين gالذي سار في إمرته للمؤمنين بنفس الخطى التي رسمها له رسول الله J، وعمل جاهدًا على ايجاد التعايش السلمي قبل كل شيء إيماناً منه gبأن الانسان يتأثر بالعديد من العوامل المحيطة به خلال حياته، والتي اهمها مجتمعه الذي ينتمي اليه والناس الذين يعيش معهم

روي عن أمير المؤمنين gأنه قال: (عليك بإخوان الصدق، فأكثر اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء، وجُنة عند البلاء)

فالعلاقات الاجتماعية الطيبة هي الكفيلة بأن تجعل المجتمع متماسك ويعيش أواصر اللحمة والتضحية وهي النسيج الرابط فيما بينهم، بعيداً عن اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو العرق، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات:13

ويمكن أن نشير هنا الى أهم الفعاليات التي سار بها أمير المؤمنين  g، ليطبق تعاليم القرآن الكريم، والنبي الرحيم في مفردة التعايش السلمي الفردي والمجتمعي:

منها: إشاعة ثقافة المساواة بين الناس وأنه لا توجد افضليه لشخص على آخر إلا بالتقوى كما أسس القرآن الكريم لذلك.

منها: زرع روح التكافل الاجتماعي بين الناس وتذكيرهم بمسؤولياتهم

قال g:(أن اللّه سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غني، واللّه تعالى سائلهم عن ذلك)

منها: احترام حرية الإنسان الفكرية، بشرط عدم الإضرار بمصلحة المجتمع وعدم الاعتداء عليه

منها: إشاعة ثقافة احترام النظام العام وتطبيقه من دون تمايز، ومن جانب آخر فإنه gلا يسمح لأي شخص أن يتجاوز على فرد آخر أو يحط من قدره وقيمته وكرامته، فإن الجميع يجب أن يعيشوا بسلام وأمان على مختلف مشاربهم ومن يتجاوز فإن القانون سوف يردعه

وكان gيعمد على إشاعة روح التعايش بسلام، وعلى الاحترام المتبادل، وتكوين مجتمع آمن مطمئن يتربع على العيش الآمن الهانئ.

ومن هنا صار الإمام علي gعلى حد تعبير علماء الاجتماع، هو رائد ومؤسس حركة التعايش السلمي في المجتمع بما كان يمثله من قيم إسلامية حقيقية وما كان يحمله من نبل الأخلاق وسمو النفس.