حب الوطن من الفطرة والإيمان

الوطن في اللغة: – كما جاء في لسان العرب – هو: (المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله.. ووَطَنَ بالمكان، وأوطن: أقام، متخذاً إياه محلاً وسكناً يقيم فيه…).

امّا الوطنية: ـ فهي تلك المشاعر والروابط الفطرية التي تنمو بالاكتساب لتجذب الإنسان إلى بلده الذي استوطنه وعاش فيه وتدفعه الى حبه والدفاع عنه وبذل النفس والدم والمال في سبيله.

والوطن هو الأم والحضن الكبير الذي يحوي كل أبنائه، وهو المكان الذي مهما ابتعد الإنسان عنه يبقى دائماً متعلقاً به، ويتمنى العودة إليه عندما يُسافر ويبقى الحنين والشوق اليه، فتعلُّق الإنسان بالأرض والوطن أمر فطريّ غريزيّ، لأن الإنسان يشعر بأن هناك علاقة بينه وبين الأرض وترابها وسمائها، وكُل ما فيها، فحياته وذكرياته كُلها كانت في وطنه.

إنَّ هذا الامر الفطري الغريزي لا يقتصر على الانسان وحده، بل يعيش في وجدان الحيوان الذي لا عقل له، مثلاً بعض الأسماك التي تعيش في شمال الاطلسي تهاجر آلاف الكيلومترات الى جنوبه، فتتزوج وتضع ثم يموت الوالدان وتعود الاسماك المولودة الجديدة الى وطنها الاصلي بنفس الطريق الذي سلكه الوالدان رغم أنَّها لا تعرف عنه شيئاً ولم ترَ والديها.

ويحث ديننا الإسلامي على الولاء والوفاء للأوطان وحبها، فعندما أجبر رسول الله Jعلى الخروج من مكة المكرمة، التي هي وطنه، ومسقط رأسه، كان يلتفت وراءه والحنين يغمره ويشدّه الى ربوعها وبيوتها، والى مسجدها وكعبتها، والى اَهلها، فيقول مخاطبا إياها: (الله يعلم اني أحبّكِ، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنكِ لما آثرت عليك بلداً ولا ابتغيتُ عليك بدلاً)([1]).

وعن امير المؤمنين gانه قال: (عُمّرت البلدان بحب الاوطان).([2])

فحب الوطن انما يكون بتعميره والمحافظة على جماله ونظافته وبيئته، وان تنشر الحب فيه فتفيض على من يشترك معك فيه بالود والمحبة.

ونحن وان كنّا نؤمن بعالمية الاسلام، وروابط الاخوة الإيمانية بين ابنائه، قال تعالى: (انما المؤمنون اخوة) الحجرات/10، وان دولة العدل الالهي التي يقيمها الإمام المهدي g  يتعايش فيها الناس كاخوة متحابين متوادين في الله، لا تفرقهم اللغات، ولا الجنسيات، ولا الألوان، ولا الولاءات الاجتماعية ونحوه، ولكن يبقى الانتماء الى الوطن فطرياً لا يعوّضه او يسد مسدّه شيء، فهو لا يتقاطع من الديانات، والمذاهب، والقوميات وغيرها حتى الدين بحاجة الى وطن يقوم فيه و يضمه ويمدّه بما يحتاجه ويأوي اليه ويحميه، خذ مثلاً رسالة الاسلام الخالدة، فانه لما لم يكن وطن في بدايتها كان المسلمون شرذمة قليلة مستضعفة معذّبة محرومة (تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) (الأنفال: 26).

ولما هاجر النبي Jالى يثرب، واصبح للإسلام وطن، وسميت يثرب بمدينة رسول الله Jقامت للإسلام دولة وكيان وبسط جناحيه على الجزيرة كلها، ثم امتد الى شرق الارض وغربها، فالانتماء للوطن ليس منافي للانتماء للدين، بل يعززّه ويرسخه، حتى وردت الأحاديث الشريفة في ذلك، روي عن أمير المؤمنينgقوله: (من كرم المرء حنينه الى الاوطان)([3])، وقال في سفينة البحار: روي (حب الوطن من الايمان).([4])

لاحظ كيف يذوب من لا وطن له في غيره، وتمسخ هويته بحيث نستدل على مسخ هويته وانتكاس فطرته وتجرده من القيم والمبادئ بتخليه عن حب الوطن وخدمة شعبه).([5])

([1]) بحار الانوار ج٢١ص ١٢٢.

([2]) تحف العقول:207 وبحار الأنوار:75/45.

([3]) كنز الفوائد للكراجكي، ص34 وعنه بحار الأنوار:71/264.

([4]) أمل الآمل:1/11، والأنوار النعمانية:

([5]) من خطاب الشيخ اليعقوبي: (أحيوا حب الوطن في قلوبكم وعقولكم).