طالب العلم بين الامتيازات، واستحقاقات المرحلة.. سنة التكريم إنموذجا

(إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً) الانسان: 22

الآية الشريفة جاءت في سياق مدح الأبرار والثناء عليهم بما قدموا من عمل خالص لوجه الله تعالى، وإقرار الجزاء والشكر لهم بما ذُكر من جوائز عظيمة خصّهم الله تعالى بها: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً…. الى قوله تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً * مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً *عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً، ثم يأتي قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً)

والمصداق الحقيقي الأبرز لهؤلاء الأبرار: هم النبي والأئمة المعصومون من آله عليهم أفضل الصلاة والسلام.

وهنا يؤسّس لنا القران سنة حميدة، هي سنة التكريم والجزاء والشكر والحفاوة لكل من يعمل خالصا لوجه الله تبارك وتعالى، وينجح، ويتفوق في عمله، ولا شك أن عطاء الله تعالى، وجزاؤَه مطلق ولا متناهي يتناسب مع ذاته المقدسة وكرمه ورحمته بعباده، بينما عطاء الانسان وجزاؤه مهما كان يبقى محدودا بحسبه، ومع ذلك، فقد جرى القانون الإلهي العادل على ذلك. 

ومن هذا المنطلق نُسَر بتحقيق مثل هذه اللقاءات والفعاليات المباركة التي تأخذ سمة التكريم والحفاوة والاعتزاز بطلبتنا الأكارم في هذا الصرح.

العلمي المتميّز والمتجدّد (جامعة الصدر الدينية)، ونأمل تكرارها بفيض من التكريم والحفاوة بهذه الوجوه العالمة والعاملة بأذن الله تعالى.   

وهذه فرصة طيبة ان نلفت الانتباه الى جملة أمور:

أولاً – التفوّق العلمي في حد نفسه مطلوب وهو محل الطموح والأمل، وهذا ما ندعو اليه ونترقبه من طلبتنا الأعزاء، وهو أحد المقومات المهمة لشخصية طالب العلوم الدينية، وله الاسوة الطيبة بمراجع الدين، وعلماء الحوزة العلمية الشريفة المشهود لهم بالنبوغ والتفوق على جميع الاصعدة، ولكن يبقى المقياس الأهم للتفاضل والتفوق هو ما حدده القران الكريم.

قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات:13                             فالتقوى هو المقياس الحقيقي للتفاضل والتفوق والكرامة عند الله تعالى لذا جاء الحث الاكيد بالتزود منها، قال تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) البقرة:197 والتقوى باب واسع من ابواب  العلم الالهي الذي ينفع الانسان في اخرته ودنياه.

قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة:282                              وبالتقوى يصل الفرد الى مرحلة الخشية من الله التي هي السمة الأبرز للعلماء.

قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر: 28 

فأذن مستوى الطموح ان نضيف الى التفوق العلمي التفوق بالتقوى بأذنه تعالى. 

ثانياً: نشيد بالتفوق العلمي الحاصل في السنوات الأخيرة بين جملة معتد بها من طلبتنا الكرام، وقد ساعدت في ذلك عدة عناصر مهمة منها:                                                 أ- التوفيق الالهي الذي خصكم الله تعالى به، لتكونوا من الاوائل من بين اقرانكم.

ب ـ جهدكم واجتهادكم في تحصيل العلم، وعلو همتكم في مواصلة مسيرتكم العلمية بتفوق ونجاح.

ج – جهود اساتذتكم، ورعاية مرجعتيكم بما توفره من الحث والتشجيع والاهتمام وتذليل العقبات، وأمور اخرى نحن بحاجة الى الالتفات اليها جميعاً وإعطائها حقَّها لمواصلة التقدّم والمحافظة على المكاسب، على أمل ان نرى جميع من تربّا هنا في هذا الصرح العلمي المبارك من المتفوقين والمتألقين في سوح الكمال والعلم.

ثالثاً:أعتقد انَّكم ـ اخوتي الكرام ـ أهل لكل حفاوة وتكريم إن شاء الله، ولكن لا يفوتني أن اذكر نفسي واياكم، ان هذه الحفاوة داخلة تحت امتيازات طالب العلوم الدينية، مضافاً الى ما وعد الله به في الاخرة، فقد ورد في الكافي بسند صحيح عـن رسـول الله J: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً في الجنة، وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به، وانه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر….), وغيرها من الاحاديث الشريفة التي تجعل منزلة عظيمة لطالب العالم، وتكفل له رزقه في الدنيا والآخرة حتى ورد ان الكل يسعى الى رزقه إلا طالب العلم فالرزق يسعى اليه، والمراد من الرزق هنا الأعم من المادي والمعنوي. 

رابعاً: قبال هذه الامتيازات توجد استحقاقات علينا ملاحظتها بدقة، لكي لا نكون من صنف المطففين والعياذ بالله الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون (جاه ومال وهيبة واحترام وامتيازات كثيرة)، وإذا كالوهم او وزنوهم يُخسرون (لا يعطون أهمية للاستحقاقات والواجبات، فيخسرون الناس خاصة، ونحن نعيش في هذا الزمن وسط هجمات متنوعة ومتعددة تستهدف ذلك البعد المعنوي والتراث الخالد الذي يستمده طالب العلم من ارتباطه بسلسلة الانوار الالهية ابتداءً من الانبياء والرسل والأوصياء والائمة المعصومين والقادة والعلماء الصالحين الى ان تصل السلسلة الينا لأننا تعنوننا بعنوان طال العلم.           

  ذلك الارث المقدس والذي شُيّد بمداد ودماء علمائنا الاعلام، هو المستهدف في هجمات هذه الأيام، فبدأ التشكيك بأهلية الحوزة العلمية وطلبتها.

والمرجعية المباركة، وفي كونها مؤهلة وصالحة لقيادة الامة.                                                                                             وبدأت الشبهات تترا بهذا الخصوص، بل وصل الامر أن يشكك بالنزاهة، والطهارة، والأفكار، والمباني، واتهام الحوزة بخلوها من النتاج العلمي الذي يواكب العصر.

فبدا المثقف والمتطلّع في بعض العلوم ينظر باستصغار لمن ينتمي الى سلك طلبة العلوم الدينية وما ذلك إلا لجملة من الاسباب أكثرها من الشبهات والأكاذيب، وقصور النظر، والابتعاد عن الحاضرة العلمية للحوزة، وجزء من هذه الاسباب تتحملها الحوزة نفسها، وطلبة العلوم الدينية، ولا اريد ان أخوض ـ هنا ـ في الاسباب.    

وإنّما اريد ان ابين جملة من الاستحقاقات المناطة بنا نحن أساتذة، وطلبة العلوم الدينية التي، منها:  

1ـ على طالب العلوم الدينية أن يحافظ على قدسية عنوانه، ولا يخوض في مسائل وأمور تنافي قدسية ذلك العنوان، وألّا يدخل في مداخل دنيوية بحته تجعل الناس تشكك فيه، وطهارته، ونزاهته، وبالتالي تعمم الحكم.  

 2- التحلي بالأخلاق العالية في التعامل مع الناس وألّا يكون فضاً غليظ القلب، فينفض الناس من حوله

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران: 159      

3- تكميل النفس بالكمالات الروحية والمعنوية وسد الفراغات التي قد تكون مدخلاً للشيطان والنفس الامارة بالسوء.  

4 – مواكبة الثقافة العصرية والاطلاع على العلوم الحديثة، ولو بتكوين فكرة مبدئية عنها، وعن اصطلاحاتها لتكون حاضرة لديه حال النقاش أو السؤال أو التصدي لرد الشبهات، ونحوها.

5 ـ القيام بوظيفته الأساس من تعليم الناس امور دينهم، وهدايتهم الى ما فيه الخير الصلاح، والتصدي للدفاع عن الدين والمذهب في رد الشبهات، وتسليح الناس بسلاح المعرفة والعقيدة الحقة.

6 – ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتركيز يتلاءم مع شخصية طالب العلم ودوره القيادي في المجتمع من خلال بيان مفاسد الكثير من الظواهر السلبية المنحرفة في المجتمع، وإعطاء حلولا لها للخلاص منها، وفتح آفاق لبدائل مناسبة تسد مسدها.

7 – الارتباط الحقيقي بالمرجعية الدينية وتمثيلها تمثيلاً صحيحاً بإيصال افكارها ورؤاها وتوجهاتها الى ابناء المجتمع وتوضيحها لهم والاشراف على تنفيذها وتحققها خارجاً.

8 – ملئ ساحات الصراع المتعدّدة والتي يحاول الأعداء فيه زرع الشبهات في عقول وقلوب ابناء المجتمع لكسبهم الى رؤاهم وأفكارهم الشيطانية والتواجد الفعال: أمّا بالقلم، أو اللسان، أو الفعل، وبحسب ما يتطلبه الموقف.

9 ـ الاخلاص في طلب العلم، فانه الروح والجوهر ليزكوا وينمو ويكون مفيداً وإلهيا، وبالتالي يمتد الاخلاص الى مجال التبليغ والعمل في ساحات الجهاد المختلفة في وسط هذه المعركة الثقافية والفكرية التي كثر فيها الاعداء والمتصيدون.